فخامة الرّئيس
ما سوف أكتبه هو الحقيقة. كلّ الحقيقة. ولا شيء غير الحقيقة.
أحببتك
في بذّتك العسكريّة، كنت تمثّل لي الحريّة
حين أعلَنتَ القصر بيت الشّعب
وذكّرت الشّعب بِعظَمته
وأردت طرد الاحتلال السّوري من لبنان
أحببتك
بجرأتك
بإصرارك
بحلمك الذي كان حلمنا
كنتُ يومها مراهقة
بنت حرب
يرتجف قلبها عند مرور سيارة أبيها على كلّ حاجز
ترتعب من بنادق المسلّحين
هؤلاء الجهلة الذين كانوا يشحذون السّجائر
وأبي ليس بِمُدخّن
هؤلاء الذين كانوا يأخذون ربطة الخبز من أمي
ليسمحوا لنا بالعبور
ونحن أربعة أطفال
وقدرنا معلّق بِمُرتزقة الحاجز
معلّق بِعَلَم ليس علَمنا
بِنزوة جيش ليس جيشنا
وكنت بوقتها وعلى الرّغم من صغر سنّي
أدرك أن الحياة أعجوبة لأنّ أصدقائي، ماتوا
وأنّ أثمن كنز هو الوطن لأنّه مسقط رأسي
وبه أرفع رأسي
ولأجله فقط قد يُقطع رأسي
في تلك الأيّام
كنت أكذب على أهلي
وأهرب من مدرستي
وأتحمّل العقاب
بفرح
بفخر
بقوّة
فقط لأذهب إلى بعبدا
وأراك من بعيد
وأعيش الأمل
وأصدّق الأمل الذي ما عاد يلمع في عيون الكبار
حين كنت أسمعك تتكلّم
كنت أغلي من شدّة الحماسة
وأبكي
ومع كل دمعة تنهمر على خدّي
كان يزداد إيماني بلبنان
لبنان، حبيبي
لبنان الجريح والمريض والمذبوح
لبنان الذي خانوه
وخذلوه وخنقوه
في تلك الأيّام
كنت أحبّك
وأعتبرك رمز العنفوان
وأنت، لم تكن تدري
ولم تكن تعرفني
كنت واحدة من بين الحالمين
مجرّد حالمة
حتّى رحلْت
ونحن بقينا
حتى تخلّيت عن الحلم
وهو بقي فينا
ومن تلك اللّحظة
قرّرت بأن لا أصدّق أحد
وأن لا أصفّق لأحد
لا أحد
فخامة الرّئيس
كلّ تلك الأشياء جعلت منّي ما أنا عليه اليوم
ثائرة
غاضبة
غاضبة
غاضبة
ولكن
كنت ما زلت أحمل لك بعض الحنين
على الرّغم من كلّ شيء
حتّى حين لم أكن أوافقك على مواقفك
فكلّ تلك الأشياء لم تستطع أن تجعل منّي امرأة قاسية
ولكن
السياسات تتغيّر
أما الوطنيّة، فهي ثابتة
مثل ثبوت نعل الجنديّ الفادي وطنه في التّراب
أَتَذْكُر جنودك ممّن ماتوا دفاعاً عن الأرض؟
نحن لم ننس
لم ننس نعالاً حقيرة داست على أعناق أبطالنا
لم ننس من قُتلوا وذُبحوا ودُفنوا أحياء
ولم ننس مَن الفاعل
أَتَذكُر؟
التّاريخ لم ينس
وتُجنّسهم؟
وتشاركهم رسميّاً وطننا؟
وتجعل قاتلينا مواطنين لبنانيّين مثلنا؟
وتفرض علينا مقاسمة هويّتنا معهم؟
لا
لا فخامة الرّئيس
فالأرزة لا ترضى أن تزيّن أكتافهم
لا
اسألْها
والعَلم اللبنانيّ
هل نسيت إلى ما يرمز اللّون الأحمر؟
كيف ترضى بأن يلفّهم يوماً ما
العلم الذي لفّ شهداءنا؟
لا، فخامة الرّئيس
ما عادت بيني وبينك قضيّة حنين ولا حنيّة
لقد أصبحت قضيّة مبدأ
وأنا حزينة جناحي مكسور
وقلمي ينزف كالجنود
مجروح كالوطنيّة…
Maya Nassar