على الأرجح أنّ الدولة أنشأت مكتب مكافحة الجريمة المعلوماتية، لأنها كانت مطمئنة ومتأكّدة من أنّ كل حزب وتيار وفنّان وطائفة في البلد يملك جهازاً جاهزاً للإجهاز على أي رأي مختلف بسواعدنا نحن المفتولة بسياسة القمع وإلغاء الآخر.
لا يحقّ لأحد أن يمنعنا من التعبير عن رأينا، لا جهاز أمني ولا ديني ولا سياسي ولا حتى دولي… وكذلك لا يحقّ لنا أيضاً أن نمنع الناس من الاستمتاع بالحياة كما تشاء وحيث تشاء. ويجب علينا أن نرى العمود في عيننا قبل أن نلاحظ القشّة على كتف ضابط، وقبل أن نكون ضد القمع بالشعارات وفي الأماكن التي تسمح لنا بالتقاط صورة من أجل أن نضعها على فيسبوك وانستاغرام، لماذا لا نكون أولاً مع حرية بعضنا البعض، مع حرية اختلافنا في الذوق والرأي والهدف والحلم والدين والله والأرز والشربين. ولا شكّ في أنّ قمع الدولة والأجهزة مريب ومخيف ويُنذر بالأسوأ، لكنّ قمعنا لبعضنا أخطر بكثير…
وليست المشكلة في القلّة القليلة التي تتجرّأ أن تبدي رأيها بصراحة أو تعبّر عن وجهة نظرها بتجرّد… بل المشكلة الفعلية هي فينا نحن الأكثرية الصامتة عن التجاوزات الكبيرة وانشغالنا بالتهليل للإنجازات الضيّقة، فنحن لا نفرح ونهلّل لأيّ عملية تزفيت أبعد من مفرق بيتنا، فالجورة عند الجيران لا تعنينا.
هل أصبحت مشكلة البلد في القلّة التي يتمّ استدعاؤها إلى مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية، أم المشكلة الحقيقية هي في الأكثرية التي تجَرجرنا إلى خيَم الجاهلية.
– جوزف طوق