بين الخزانة الاميركية والأوهام السعودية قمم الرياض..همروجة إعلامية أم؟
“هل تغيّر زيارة ترامب المنطقة؟، فاجأهم ترامب.. عينة من عناوين مقالات تدفقت في الاعلام السعودي بعد زيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للسعودية ومشاركته في القمم المعروفة.
“التفاؤل” السعودي بقرب حدوث تغيير في وجهة أحداث المنطقة لمصلحة الرياض لم يأت من فراغ، إنما استند الى ما تراءى له حنكة ولي ولي العهد محمد بن سلمان في اجتذابه ترامب الى جانب بلده تحت عنوان محاربة التطرف والارهاب، وتوسيع جبهة محاربة الارهاب لتشمل ايران وما يسميه هذا الاعلام بأذرع طهران في لبنان وفلسطين، وهي التسمية التي يطلقها على حركات المقاومة في المنطقة والمقصود بها حزب الله وحماس.
الى هذا يرتبط هذا “التفاؤل” الساذج بفهم سعودي متعسف لسياسة سلف ترامب، فهناك قناعة لا تتزعزع لدى حكام الرياض بأن الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما كان منحازا بسياسته الشرق اوسطية الى جانب طهران وقد أدار ظهره للتوسع الايراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن مقابل قبولها بالاتفاق النووي، في حين غاب عن هذه النظرة أن ما تراه انسحابا اميركيا من المنطقة كان مردّه فشلا استراتيجيا كبيرا لواشنطن بدأ مع انتهائها من غزو العراق(تفاقم بطريقة مريعة) الى تحوّل “الربيع الربيع” الى فوضى هدامة تهدد الحواضر الغربية نفسها ولا ينفع معها ادارة التوحش ومشاريع اعادة بناء الدولة والمجتمعات.
لكن التفاؤل السعودي يطرح الكثير من الاسئلة، هل السياسة الاميركية في ظل موازين القوى في المنطقة تملك من الليونة للاستدارة التي يتحدث عنها آل سعود وهل تقدم واشنطن فعلا على عمل عسكري يعيد التوازن للنفوذ السعودي ويمنح الرياض القدرة على توجيه الاحداث؟
يقول الباحث الاستراتيجي العميد أمين حطيط: “الزيارة التي قام بها ترامب الى المملكة العربية السعودية كانت بداية لمرحلة تريدها السعودية عبر صفقة تجريها مع اميركا عنوانها “نعطي كل ما نستطيع وتؤمنون حمايتنا وتقاتلون عدونا”، أما الولايات المتحدة فكانت تريد من الصفقة “نأخذ اموالكم ونعدكم بأن نمكنكم من أن تقاتلوا أنتم عدوكم ولسنا نحن من نقاتل”، وبالتالي الصفقة بين السعودية واميركا صفقة مختلة التوازن وغير متكافئة”.
ولا يرى حطيط أن تكديس السلاح الاميركي لدى السعودية سيفضي حتما الى تغيير موازين القوى في الإقليم، ويلفت الى أن “العجز العسكري السعودي ليس لوجستيا وليس سببه افتقاد الجيش السعودي الى أسلحة حديثة، إنما هو عجز بنيوي” مشيراً الى أن “ما قدمته اميركا غير قابل للصرف وغير قابل للتنفيذ إلا فيما خص الاسلحة التي وعدت بتقديمها وهذه الاسلحة لا تبني جيشا للواقع السعودي” مؤكدا اختبار هذا الامر “في المواجهة التي حصلت على الحدود السعودية – اليمنية حيث اظهر الواقع انه ليس في السعودية جيش قتالي بري يستطيع أن يصمد بل هناك رجال قربهم اسلحة وليس هناك جيش يستعمل اسلحة وبالتالي ما عولت عليه السعودية سيبقى في طور التصور والوهم وما طلبته وما اخذته اميركا هو حقيقة وبوضع اليد على ثروات طائلة لم يسبق لاحد في اميركا أن وصل الى سقفها في مصادرة او امتلاك هذه الاموال”.
هل تدفع اميركا لقاء الـ 350 مليار دولار بجيوشها الى ميادين القتال في العراق وسوريا واليمن لسد النقص العسكري السعودي؟ ينفي حطيط هذه الامكانية ويقول:” لن يحدث شيئا من هذا القبيل والسبب هو التصريح الاميركي مباشرة ومفاده لا تنتظروا منا أن نسحق عدوكم، هو إعلان مسبق اذا أن اميركا لن ترسل جيوش لمحاربة من تريد السعودية محاربتهم، والواضح هنا أن السعودية تريد محاربة محور المقاومة بشكل عام وتحديدا ايران وحزب الله بشكل خاص، والسؤال هل سترسل اميركا جيشا لمحاربة ايران؟ الجواب هو لا، لان اميركا تعلم أن ايران تمتلك من القدرات الدفاعية ما يمكنها من إشعال المصالح الاميركية في كامل المنطقة وضمنها السعودية، واميركا من مصلحتها أن تأخذ المال ولا تغامر بالمستقبل وخاصة أن هذا المستقبل مرعب بالنسبة لها ذاتيا بما يتعلق بمصالحها في دول الخليج، ثم مرعب باالنسبة لـ”اسرائيل” ربيبتها ومن تسعى الى احتضانها، فإشعال المنطقة لن يبقي “اسرائيل” بمنأى عن النار” ويضيف حطيط ” لهذا السبب أعتقد أن الدعم العسكري الميداني المباشرالذي يمكن أن تقدمه اميركا للسعودية سيبقى محدودا في الميدان وقد يكون سقفه عالي في الإعلام وفي الحرب النفسية وفي السياسة”.
مع هذا، إن كل ما ستحصده السعودية من وعود ترامب مع تضخيمها هو على ما يقول حطيط “ان الباب المفتوح التي قد تسعى اليه السعودية لتثمير هذه الصفقة هو استباحة الميادين التي تشعر أن القوى العسكرية غير موجودة فيها او أن هناك قرار بعدم استعمالها وهذا ينطبق على البحرين فقط لان البحرين من مصلحتها أن تبقى متمسكة بالعمل السلمي الرافض للاستبداد لان أي تحول نحو العمل العسكري أو المواجهة بالعنف سيعطي السعودية مبررا حتى تستبيح البحرين وتعرض عضلاتها العسكرية فيه”.
ويضيف حطيط: “خارج البحرين لا يبقى هناك ساحة واحدة تستطيع السعودية عرض عضلاتها فيها بما فيها اليمن إلا وتتلقى فيها الضربات القاسية، لذلك يبقى أمام السعودية وتثميرا لهذه الصفقة مع الولايات المتحدة الاميركية أن تلجأ الى عمليات اشاعة الفتن والانقسامات الداخلية وهذا العنوان قد ينطبق على الواقع اللبناني ولكن ايضا القوى السياسية والعسكرية التي يملكها خصم السعودية في لبنان تجعل السعودية وأدواتها في لبنان تتردد في إضرام النار في الجسم اللبناني”.
ويؤكد حطيط ان “الصفقة التي قيل أنها ستفتح عهدا جديدا في المنطقة وتغيرالأوضاع لصالح السعودية واميركا هي نوع من الحرب الاعلامية الدعائية التي لن تغير شيئا في الميدان” مشددا على أن المعادلة الحقيقة هي “أن الخزانة الاميركية امتلأت بالاموال السعودية وأن المخيلة السعودية امتلأت بالاوهام والوعود الاميركية الكاذبة”.
بقلم : هيلدا المعدراني