الحرية الإعلامية…
إن الحرية الاعلامية وحرية الصحافة تشكلان ركناً من أركان حرية التعبير وركناً أساسياً لإقامة الدولة الديموقراطية، وقد تكرست هذه الحرية في جميع المواثيق الدولية واعلانات حقوق الانسان.
أما في لبنان فقد كرست هذه الحرية في مقدمة الدستور اللبناني حيث ورد صراحة في الفقرة “ج” من مقدمة الدستور اللبناني أن “لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد…”.
وهذه الحرية مكرسة دولياً وقانونياً ودستورياً. وخصوصاً في جميع الدول الديموقراطية حيث يعتمد مبدأ الرقابة الذاتية أو ما يسمى بالفرنسية Auto censure بعكس الدول الديكتاتورية، حيث أن الصحافة تخضع مسبقاً لرقابة السلطة العام censure préalable وتبعيتها فحرية الصحافة والاعلام هي إذاً الصلب والركن للدولة الديموقراطية، إلا أن ذلك لا يعني أن ممارسة هذه الحرية يجب أن تكون مطلقة من دون أي قيد. بل أن هذه الممارسة يجب أن تتم ضمن اطار ضوابط وتحت سقف القوانين المرعية الاجراء، وهذا ما أكدته القوانين اللبنانية صراحة. المادة الاولى من قانون المطبوعات نصت على أن “المطبعة والصحافة والمكتبة ودار النشر والتوزيع حرة، ولا تقيد هذه الحرية إلاّ في نطاق القوانين العامة وأحكام هذا القانون”.
وكذلك الأمر قيدت المادة 3 من قانون البث التلفزيوني والاذاعي حرية الصحافة بموجب احترام احكام الدستور والقوانين النافذة، فممارسة حرية الصحافة والاعلام كأي ممارسة لأي حق أو حرية يجب أن تقف عند حدود حريات وحقوق الآخرين.
الصحافة الصحيحة والموضوعية يجب أن تكون مرآة فعلية للمجتمع وأن تعكس ما يحصل فيه من أخبار حسنة وسيئة لكن ضمن ضوابط قانونية (هذا بالنسبة الى وجهة النظر اللبنانية). وعلى الرغم من أن هنالك توجهاً عالمياً اليوم وخصوصاً في الدول الاوروبية لاعتماد مبدأ الحرية المطلقة للصحافة وحتى أن هنالك نزعة في منظمة الامم المتحدة لإصدار قوانين لحماية حرية الصحافة والصحافيين، وذلك بسبب تزايد تصاعد العنف ضد الصحافيين مما دفع بالجمعية العامة للأمم المتحدة الى اتخاذ اول قرار في شهر تشرين الثاني عام 2013 يتعلق بسلامة الصحافيين، وتم تخصيص يوم عالمي لمكافحة الافلات من العقاب على الجرائم الواقعة ضد الصحافيين يحتفل به كل سنة في 2 تشرين الثاني.
واذا كان هدف الصحافة هو مكافحة الفساد من خلال التطرق اليه وإظهاره للعلن الا ان هذا لا يعني أنه يمكن التعرض لكرامة الآخرين وشرفهم وحقوقهم، وخصوصاً الاعتداء على الحياة الخاصة la vie privé للاشخاص التي تشكل حقاً من حقوق الانسان المكرّسة دولياً، وفي الاعلان العالمي لحقوق الانسان. ومن هنا يأتي دور القضاء في التدخل سواء مسبقاً عبر قضاء الأمور المستعجلة واختصاصه العام لدرء الأضرار والأخطار الداهمة التي يمكن توقع حدوثها أو من خلال التدخل اللاحق للقضاء للتعويض عن الضرر الحاصل بسبب الصحافة ولإعادة التوازن بين الحقوق، وذلك عبر محكمة المطبوعات وهو الأكثر شيوعاً.
من هنا جاءت القاعدة المعروفة المنصوص عليها في الاعلان العالمي لحقوق الانسان المادة 4: “الحرية تكمن في القدرة على عمل كل شيء لا يضر بالآخر”. لذلك إنّ ممارسة حرية الاعلام والصحافة مقيدة بالتزامات ومسؤوليات محددة في القوانين وهي:
– احترام حقوق الآخرين وكراماتهم وسمعتهم.
– احترام الامن القومي والسلام الأهلي والنظام العام والصحة العامة والأخلاق العامة.
يمنع بالتالي على الاعلام والصحافة نشر كل ما يدعو الى:
1 – الحرب، 2 – الكره الوطني والقومي، 3 – العنصرية والطائفية، 4 – كل أنواع التمييز الإتني والعرقي والمذهبي الخ… 5 – وخصوصاً كل ما يدعو الى استخدام العنف والعدائية (هذا يدخل ضمن حماية النظام العام الدولي حيث يعتبر، كل ما يشكل مظهر عنف مخالفاً للنظام العام ويمنع نشره.
من هنا نجد التداخل بين مبدأين أساسيين وهما الحرية الاعلامية وحماية حقوق الآخرين وكراماتهم وخصوصاً الحياة الخاصة وتقاطع بين السلطة الثالثة وهي السلطة القضائية والسلطة التي توصف اليوم بالسلطة الرابعة وهي الصحافة والاعلام.
Leave a reply